دعاؤه بإنزال الغيث في تبوك
كان صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك ، ومعه جيش حافل، عداده ثلاثون ألف مقاتل في سبيل الله، ومعه عشرة آلاف فرس، وآلاف الجمال، فلما أصبحوا في الصحراء بعيدين عن الماء، أشرفوا على الهلاك، لا آبار حولهم، ولا أنهار، ولا أمطار، بحثوا في قربهم، فإذا هي قد انتهت بمائها، التمسوا الماء يمنة ويسرة، فإذا هو لا ماء، أخذوا يتلمسون الماء، جفت لسان كل واحد منهم، نشفت كبده في جوفه، وأجرهم عند الله، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ [التوبة:120].
فأشار بعضهم على بعض بأن ينحروا الجمال ويخرجوا ما في بطونها وبأكراشها من ماء فيعصرونه ويشربونه، إلى هذا الحال، وإلى هذا المستوى بلغ الجهد والظمأ.
يقول: بلغنا من الظمأ درجة لو أن حاتماً الطائي على كرمه معنا، ومعه ماء فلن يسقينا، فهؤلاء الصحابة بلغوا من الجهد والإعياء والظمأ أعظم من ذلك، أشار بعضهم بنحر الجمال، فقام عمر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعرض عليه المشكلة، وقال: {يا رسول الله إن الله قد عودك عوائد فادع الله لنا } يقول: أنت صاحب العوائد أنت المبارك؛ فقط ترفع يديك ويأتي الغيث، وينـزل المطر، ينزل النصر، ويقع الفتح بإذن الله، يكفي منك أن ترفع يديك، فالله قد عودك عوائد، والسماء ليس فيها سحاب، وليس هناك هواء بارد، ولا مظلة تنـزل الغيث؛ لا برق ولا رعد، في شدة الحر، والرسول عليه الصلاة والسلام له عوائد، كما قال عمر .
من عوائده باختصار ومن المعروف لديكم: ما في الصحيحين لما وقف صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في شدة الصيف ولا سحاب في المدينة ، ولا غيث، ولا هواء بارد، ولا شيء، فدخل أعرابي وقال: {يا رسول الله جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل -وسط الخطبة والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في غير موضوع الاستسقاء- فادع الله أن يغيثنا، فقطع صلى الله عليه وسلم الكلام ورفع كفيه -الشريفتين الطاهرتين النظيفتين البارتين- وقال: اللهم! أغثنا } فما هي إلا لحظة، وإذا الذي يقول للشيء: كن فيكون، يرسل بإذنه سبحانه سحابة كالترس من وراء جبل سلع ، فتعترض في سماء المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينـزل من المنبر، وخطبه دقائق فتمتلئ سماء المدينة سحاباً، وينـزل الغيث فجأة، فيصب سقف المسجد على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أمام الناس، فيقول: {أشهد أني رسول الله }.
ويأتي إليه عمر ، فلا يتقدم من الثلاثين ألفاً ولا من الصحابة ولا من الجيش أحدٌ إلا عمر فيقول: {الله عودك عوائد فادع الله لنا، فأتى صلى الله عليه وسلم في مجلسه، قال: اللهم أغثنا } وفجأة وتأتي سحابة تغطي المعسكر، على حده لا زيادة ولا نقصان، فتهل غيثها، وترسل عيونها، وتسكب ماءها، فتمتلئ الأحواض والخنادق والقرب والأواني؛ هذا يغتسل، وهذا يتوضأ، وهذا يشرب، وهذا يسقي جمله، وإذا خرجت خطوة واحدة خارج المعسكر لا تجد قطرة واحدة، تجاوزت حد المعسكر